فصل: فوائد بلاغية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {إِنَّ الله رَبِّي وَرَبُّكُمْ} قراءة العامة بكسر همزة إنّ على الأخبار المستأنف؛ وهذا ظاهر على قولنا: إن {جِئْتُكُمْ} تأكيد.
أما إذا جعلناه تأسيسًا، وجُعِلَت الآية هي قوله: {إِنَّ الله رَبِّي وَرَبُّكُمْ}- بالمعنى المذكور أولًا- فلا يصحُ الاستئناف، بل يكون الكسر على إضمار القول، وذلك القول بدلٌ من الآية، كأن التقدير: وجئتكم بآية من ربكم قَوْلي: {إِنَّ الله رَبِّي وَرَبُّكُمْ}، فقَوْلِي بدلٌ من آية، وإنّ وما في حَيِّزها معمول قولي، ويكون قوله: {فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ} اعتراضًا بين البدل والمُبْدَل منه.
وقرئ بفتح الهمزة، وفيه أوجُهٌ:
أحدها: أنه بدل من آية، كأن التقدير: وجئتكم بأن الله ربي وربكم، أي: جئتكم بالتوحيد.
وقوله: {فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ} اعتراضٌ أيضا.
الثاني: أن ذلك على إضمار لام العلة، ولام العلةِ متعلقة بما بعدها من قوله: {فاعبدوه}، والتقدير: فاعبدوه لأن الله ربي وربكم كقوله: {لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ} [قريش: 1] إلى أن قال: {فَلْيَعْبُدُواْ} [قريش: 3] إذ التقدير فليعبدوا، لإيلاف قريش، وهذا عند سيبويه وأتباعه- ممنوع؛ لأنه متى كان المعمول أنّ وصلتها يمتنع تقديمها على عاملها لا يجيزون: أنَّ زيدًا منطق عرفت- تريد عرفت أن زيدًا منطلقٌ- للفتح اللفظي، إذْ تَصَدُّرُها- لفظًا يقتضي كسرها.
الثالث: أن يكون على إسقاط الْخَافِضِ- وهو على- وعلى يتعلق بآية بنفسها، والتقدير: وجئتكم بآية على أن الله، كأنه قيل: بعلامة ودلالة على توحيد الله- تعالى- قاله ابنُ عَطِيَّةَ، وعلى هذا فالجملتان الأمريَّتان اعتراض- أيضا- وفيه بُعْدٌ. اهـ.

.فوائد بلاغية:

قال أبو حيان:
وفي هذه الآيات من ضروب الفصاحة والبديع: إسناد الفعل للآمر به لا لفاعله، في قوله: {إن الله يبشرك}، إذ هم المشافهون بالبشارة، والله الأمر بها.
ومثله: نادى السلطان في البلد بكذا، وإطلاق اسم السبب على المسبب في قوله: {بكلمة منه}، على الخلاف الذي في تفسير: كلمة.
والاحتراس: في قوله: {وكهلًا}، من ما جرت به العادة أن من تكلم في حال الطفولة لا يعيش.
والكناية: في قوله: {ولم يمسسني بشر}، كنى بالمسّ عن الوطء، كما كنى عنه: بالحرث، واللباس، والمباشرة.
والسؤال والجواب في: {قالت الملائكة} وفي: {أنى يكون}، والتكرار في: {جئتكم بآية}.
وفي: {أني أخلق لكم}، وفي: {الطير}، وفي: {بإذن الله}، وفي: {ربي وربكم}، وفي: {ما}، في قوله: {بما تأكلون وما}.
والتعبير عن الجمع بالمفرد في الآية، وفي: {الأكمة والأبرص}، وفي: {إذا قضى أمرًا}.
والطباق في: {وأحيي الموتى}، وفي: لأحل وحرم والالتفات في: {ونعلمه} فيمن قرأ بالنون والتفسير بعد الإبهام في: من قال: الكتاب مبهم غير معين، والتوراة والإنجيل تفسير له والحذف في عدة مواضع. اهـ.

.تفسير الآية رقم (52):

قوله تعالى: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى الله قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ الله آَمَنَّا بِالله وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ختم سبحانه وتعالى هذه البشارة بالآية القاطعة القويمة الجامعة، وكان قوله في أول السورة: {يصوركم في الأرحام كيف يشاء} وقوله هنا {يخلق ما يشاء} مغنيًا عن ذكر حملها، طواه وأرشد السياق حتمًا إلى أن التقدير: فصدق الله فيما قال لها، فحملت به من غير ذكر فولدته- على ما قال سبحانه وتعالى- وجيهًا وكلم الناس في المهد وبعده، وعلمه الكتاب والحكمة وأرسله إلى بني إسرائيل، فأتم لهم الدلائل ونفى الشبه على ما أمره به الذي أرسله سبحانه وتعالى وعلموا أنه ناسخ لا مقرر، فتابعه قوم وخالفه آخرون فغطوا جميع الآيات وأعرضوا عن الهدى والبينات، ونصبوا له الأشراك والحبائل وبغوه الدواهي والغوائل، فضلوا على علم وظهر منهم الكفر البين واعوجوا عن الصراط المستقيم عطف عليه قوله مسليًا لهذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: {فلما أحس} قال الحرالي: من الإحساس وهو منال الأمر بادرًا إلى العلم والشعور الوجداني- انتهى {عيسى منهم الكفر} أي علمه علم من شاهد الشيء بالحس ورأى مكرهم على ذلك يتزايد وعنادهم يتكاثر بعد أن علم كفرهم علمًا لا مرية فيه، فاستغاث بالأنصار وعلم أن منجنون الحرب قد دار، فعزم على إلحاقهم دار البوار {قال من أنصاري}.
ولما كان المقصود ثبات الأنصار معه إلى أن يتم أمره عبر عن ذلك بصلة دلت على تضمين هذه الكلمة كلمة توافق الصلة فقال: {إلى} أي سائرين أو واصلين معي بنصرهم إلى {الله} أي الملك الأعظم {قال الحواريون} قال الحرالي: جمع حواري وهو المستخلص نفسه في نصرة من تحق نصرته بما كان من إيثاره على نفسه بصفاء وإخلاص لا كدر فيه ولا شوب- انتهى.
وهو مصروف لأن ياءه عارضة {نحن أنصار الله} أي الذي أرسلك وأقدرك على ما تأتي به من الآيات، فهو المحيط بكل شيء عزة وعلمًا، ثم صححوا النصرة وحققوا بأن عللوا بقولهم: {آمنا بالله} أي على ما له من صفات الكمال، ثم أكدوا ذلك بقولهم مخاطبين لعيسى عليه الصلاة والسلام رسولهم أكمل الخق إذ ذاك: {واشهد بأنا مسلمون} أي منقادون لجميع ما تأمرنا به كما هو حق من آمن لتكون شهادتك علينا أجدر لثباتنا ولتشهد لنا بها يوم القيامة. اهـ.

.اللغة:

{أحس} عرف وتحقق وأصله من الإحساس وهو الإدراك ببعض الحواس الخمس.
{الحواريون} جمع حوارى وهو صفوة الرجل وخاصته، ومنه قيل للحضريات حواريات لخلوص ألوانهن وبياضهن، قال الشاعر:
فقل للحواريات يبكين غيرنا ** ولا تبكنا إلا الكلاب النوابح

والحواريون أتباع عيسى كالصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم سموا حواريين لصفاء قلوبهم ونقاء سرائرهم.
{مكروا} المكر: الخداع وأصله السعى بالفساد في خفية، قال الزجاج: يقال مكر الليل وأمكر إذا أظلم، ومكر الله استدراجه لعباده من حيث لا يعلمون حكى عن الفراء وغيره.
{نبتهل} نتضرع في الدعاء، وأصل الإبتهال: الاجتهاد في الدعاء باللعن، والبهلة اللعنة. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما حكى بشارة مريم بولد مثل عيسى واستقصى في بيان صفاته وشرح معجزاته وترك هاهنا قصة ولادته، وقد ذكرها في سورة مريم على الاستقصاء، شرع في بيان أن عيسى لما شرح لهم تلك المعجزات، وأظهر لهم تلك الدلائل فهم بماذا عاملوه فقال تعالى: {فَلَمَّا أَحَسَّ عيسى مِنْهُمُ}. اهـ.

.قال الألوسي:

{فَلَمَّا أَحَسَّ عيسى مِنْهُمُ الكفر} شروع في بيان مآل أحواله عليه السلام، وقيل: يحتمل أن يكون كله من قبل الملائكة شرحًا لطرف منها داخلًا تحت القول، ويحتمل أن يكون الكلام قد تم عند قوله تعالى: {وَرَسُولًا إلى بَنِى إسرائيل} [آل عمران: 49] ولا يكون {أَنّى قَدْ جِئْتُكُمْ} [آل عمران: 49] متعلقًا بما قبله، ولا يكون داخلًا تحت القول ويكون المحذوف هناك فجاء عيسى كما بشر الله تعالى رسولًا إلى بني إسرائيل بأني قد جئتكم بآية من ربكم الآية، والفاء هنا مفصحة بمثل القدر هناك على التقدير الثاني، وأصل الإحساس الإدراك بإحدى الحواس الخمس الظاهرة وقد استعير هنا استعارة تبعية للعلم بلا شبهة، وقيل: أنه مجاز مرسل عن ذلك من باب ذكر الملزوم وإرادة اللازم والداعي لذلك أن الكفر مما لا يحس، والقول بأن المراد إحساس آثار الكفر ليس بشيء، والمراد من الكفر إصرارهم عليه وعتوهم فيه مع العزيمة على إيقاع مكروه به عليه السلام، وقد صح أنه عليه السلام لقي من اليهود قاتلهم الله تعالى شدائد كثيرة.
أخرج إسحق بن بشر وابن عساكر من طرق عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان اليهود يجتمعون على عيسى عليه السلام ويستهزءون به ويقولون له: يا عيسى ما أكل فلان البارحة وما ادخر في بيته لغد؟ فيخبرهم ويسخرون منه حتى طال ذلك به وبهم وكان عيسى عليه السلام ليس له قرار ولا موضع يعرف إنما هو سائح في الأرض فمر ذات يوم بامرأة قاعدة عند قبر وهي تبكي فسألها فقالت: ماتت ابنة لي لم يكن لي ولد غيرها فصلى عيسى ركعتين ثم نادى يا فلانة قومي بإذن الرحمن فاخرجي فتحرك القبر ثم نادى الثانية فانصدع القبر. ثم نادى الثالثة فخرجت وهي تنفض رأسها من التراب فقالت: يا أماه ما حملك على أن أذوق كرب الموت مرتين؟ يا أماه اصبري واحتسبي فلا حاجة لي في الدنيا يا روح الله سل ربي أن يردني إلى الآخرة وأن يهون عليَّ كرب الموت فدعا ربه فقبضها إليه فاستوت عليها الأرض فبلغ ذلك اليهود فازدادوا عليه غضبًا وروي عن مجاهد أنهم أرادوا قتله ولذلك استنصر قومه، ومن لابتداء الغاية متعلق بأحس أي ابتدأ الإحساس من جهتهم؛ وجوز أبو البقاء أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من الكفر أي لما أحس الكفر حال كونه صادرًا منهم. اهـ.

.قال ابن عادل:

الإحساس: الإدراك ببعص الحواسّ الخمس وهي الذوق والشمُّ واللمس والسمع والبصر- يقال: أحسَسْتُ بالشيء وبالشيء وحَسَسْتُه وحَسَسْتُ به، ويقال: حَسَيْت- بإبدال سينه الثانية ياءً- وأحست بحذف أول سِينيه-.
قال الشاعر: [الوافر]
سِوَى أنَّ الْعِتَاقَ مِنَ الْمَطَايَا ** أحَسْنَ بِهِ فَهُنَّ إلَيْهِ شُوسُ

قال سيبويه: ومما شَذَّ من المضاعف- يعني في الحَذْف- فشبيه بباب أقمت، وليس وذلك قولهم أَحَسْتُ وأَحَسْنَ- يريدون: أحسست وأحسَسْنَ، وكذلك تفعل به في كل بناء يبنى الفعل فيه ولا تصل إليه الحركة، فإذا قلت: لم أحس، لم تحذف.
وقيل: الإحساس: الوجود والرؤية، يقال: هل أحْسَسَْ صاحبَك- أي: وجدته، أو رأيته؟
قال أبو العباس المقرئ: ورد لفظ الحِسّ في القرآن على أربعة أضربٍ:
الأول: بمعنى الرؤية، قال تعالى: {فَلَمَّا أَحَسَّ عيسى مِنْهُمُ الكفر} [آل عمران: 52] وقوله تعالى: {أَحَسُّواْ بَأْسَنَا} [الأنبياء: 12] أي رأوه. وقوله: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِّنْ أَحَدٍ} [مريم: 98] أي: هل تَرَى منهم؟
الثاني: بمعنى القتل، قال تعالى: {إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} [آل عمران: 152] أي: تقتلونهم.
الثالث: بمعنى البحث، قال تعالى: {فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ} [يوسف: 87].
الرابع: بمعنى الصوت، قال تعالى: {لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا} [الأنبياء: 102] أي: صَوْتَهَا.
قوله: {مِّنْهُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: أن يتعلق بـ {أحَسَّ} ومِنْ لابتداء الغاية أي: ابتداء الإحساس من جهتهم.
الثاني: أنه متعلق بمحذوف، على أنه حال من الكفر، أي: أحس الكفر حال كونه صادرًا منهم. اهـ.

.قال الفخر:

الإحساس عبارة عن وجدان الشيء بالحاسة وهاهنا وجهان:
أحدهما: أن يجري اللفظ على ظاهره، وهو أنهم تكلموا بالكفر، فأحس ذلك بإذنه.
والثاني: أن نحمله على التأويل، وهو أن المراد أنه عرف منهم إصرارهم على الكفر، وعزمهم على قتله، ولما كان ذلك العلم علمًا لا شبهة فيه، مثل العلم الحاصل من الحواس، لا جرم عبر عن ذلك العلم بالإحساس. اهـ.
قال الفخر:
اختلفوا في السبب الذي به ظهر كفرهم على وجوه:
الأول: قال السدي: أنه تعالى لما بعثه رسولًا إلى بني إسرائيل جاءهم ودعاهم إلى دين الله فتمردوا وعصوا فخافهم واختفى عنهم، وكان أمر عيسى عليه السلام في قومه كأمر محمد صلى الله عليه وسلم وهو بمكة فكان مستضعفًا، وكان يختفي من بني إسرائيل كما اختفى النبي صلى الله عليه وسلم في الغار، وفي منازل من آمن به لما أرادوا قتله، ثم أنه عليه الصلاة والسلام خرج مع أمه يسيحان في الأرض، فاتفق أنه نزل في قرية على رجل فأحسن ذلك الرجل ضيافته وكان في تلك المدينة ملك جبار فجاء ذلك الرجل يومًا حزينًا، فسأله عيسى عن السبب فقال: ملك هذه المدينة رجل جبار ومن عادته أنه جعل على كل رجل منا يومًا يطعمه ويسقيه هو وجنوده، وهذا اليوم نوبتي والأمر متعذر علي، فلما سمعت مريم عليها السلام ذلك، قالت: يا بني ادع الله ليكفي ذلك، فقال: يا أماه إن فعلت ذلك كان شر، فقالت: قد أحسن وأكرم ولابد من إكرامه فقال عيسى عليه السلام: إذا قرب مجيء الملك فاملأ قدورك وخوابيك ماء ثم أعلمني، فلما فعل ذلك دعا الله تعالى فتحول ما في القدور طبيخًا، وما في الخوابي خمرًا، فلما جاءه الملك أكل وشرب وسأله من أين هذا الخمر؟ فتعلل الرجل في الجواب فلم يزل الملك يطالبه بذلك حتى أخبره بالواقعة فقال: إن من دعا الله حتى جعل الماء خمرًا إذا دعا أن يحيي الله تعالى ولدي لابد وأن يجاب، وكان ابنه قد مات قبل ذلك بأيام، فدعا عيسى عليه السلام وطلب منه ذلك، فقال عيسى: لا نفعل، فإنه إن عاش كان شرًا، فقال: ما أبالي ما كان إذا رأيته، وإن أحييته تركتك على ما تفعل، فدعا الله عيسى، فعاش الغلام، فلما رآه أهل مملكته قد عاش تبادروا بالسلاح واقتتلوا، وصار أمر عيسى عليه السلام مشهورًا في الخلق، وقصد اليهود قتله، وأظهروا الطعن فيه والكفر به.
والقول الثاني: إن اليهود كانوا عارفين بأنه هو المسيح المبشر به في التوراة، وأنه ينسخ دينهم، فكانوا من أول الأمر طاعنين فيه، طالبين قتله، فلما أظهر الدعوة اشتد غضبهم، وأخذوا في إيذائه وإيحاشه وطلبوا قتله.
والقول الثالث: إن عيسى عليه السلام ظن من قومه الذين دعاهم إلى الإيمان أنهم لا يؤمنون به وأن دعوته لا تنجح فيهم فأحب أن يمتحنهم ليتحقق ما ظنه بهم فقال لهم {مَنْ أَنصَارِى إِلَى الله} فما أجابه إلا الحواريون، فعند ذلك أحس بأن من سوى الحواريين كافرون مصرون على إنكار دينه وطلب قتله. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {قَالَ مَنْ أَنصَارِى إِلَى الله}:

قال الفخر:
في الآية أقوال:
الأول: أن عيسى عليه السلام لما دعا بني إسرائيل إلى الدين، وتمردوا عليه فر منهم وأخذ يسيح في الأرض فمر بجماعة من صيادي السمك، وكان فيهم شمعون ويعقوب ويوحنا ابنا زيدي وهم من جملة الحواريين الاثنى عشر فقال عيسى عليه السلام: الآن تصيد السمك، فإن تبعتني صرت بحيث تصيد الناس لحياة الأبد، فطلبوا منه المعجزة، وكان شمعون قد رمى شبكته تلك الليلة في الماء فما اصطاد شيئًا فأمره عيسى بإلقاء شبكته في الماء مرة أخرى، فاجتمع في تلك الشبكة من السمك ما كادت تتمزق منه، واستعانوا بأهل سفينة أخرى، وملؤا السفينتين، فعند ذلك آمنوا بعيسى عليه السلام.
والقول الثاني: أن قوله: {مَنْ أَنصَارِى إِلَى الله} إنما كان في آخر أمره حين اجتمع اليهود عليه طلبًا لقتله، ثم هاهنا احتمالات:
الأول: أن اليهود لما طلبوه للقتل وكان هو في الهرب عنهم قال لأولئك الاثنى عشر من الحواريين: أيكم يحب أن يكون رفيقي في الجنة على أن يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني؟.
فأجابه إلى ذلك بعضهم وفيما تذكره النصارى في إنجيلهم: أن اليهود لما أخذوا عيسى سل شمعون سيفه فضرب به عبدًا كان فيهم لرجل من الأحبار عظيم فرمى باذنه، فقال له عيسى: حسبك ثم أخذ اذن العبد فردها إلى موضعها، فصارت كما كانت، والحاصل أن الغرض من طلب النصرة إقدامهم على دفع الشر عنه.
والاحتمال الثاني: أنه دعاهم إلى القتال مع القوم لقوله تعالى في سورة أخرى {فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين} [الصف: 14]. اهـ.